قراءنا الأعزاء، سنأخذكم معنا في هذا النص إلى رحلة بحث أرشيفية قمنا بها، نحن مجموعة فهرس الممارسات النّشرية، خلال السنتين السابقتين، بين بيروت ودمشق وبرلين، رحلة غُصنا بها في عوالم الحرب الباردة وحياتها الثقافية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي في منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا. نضع بين أيديكم في الأسطر القادمة حكايات شخصيات تقفّينا أثرها، ونروي لكم قصصاً عن مؤسسات عالمية دعمت العمل الثقافي علناً أو خفيةً في خدمة سياستها. ستنقلكم رحلتنا إلى كواليس دُور نشر وإلى إصدارات صنعتها أيادي فردية أو جماعية مدفوعة للتغير والتجديد أو بتأثيرات أيديولوجية سياسية آمن بها أصحابها. فكانت مشاريع كُتبَ لبعضها الاستمرار، ولاقت أخرى نهاياتها.
إن اهتمام مجموعتنا برصد الممارسة الثقافية خلال الحرب الباردة وتتبّعها نتج عن شعور بدأ يتكوّن لدينا ونقاشات أفضت إلى الاعتقاد بوجود بقواسم مشتركة بين تلك المرحلة بما تتضمنه من أبعاد اتخذها العمل الثّقافي وبين هذه الممارسة اليوم، خاصةً إذا اعتبرنا تلك المرحلة، نقطة بداية لعولمة المنطقة العربية ثقافياً، من خلال إدخالها إلى شبكة عالمية من المال السياسي الخاص والعام، المحلي والإقليمي والعالمي. شهدت هذه الفترة أيضاً تنقل العديد من المثقفين بين بلدان وفي إطار سياقات إقليمية وعالمية، ما حفزنا على التساؤل عن استقلالية هؤلاء تحت ضغط مشاريع الهيمنة الثقافية ورغبتنا في فهم آلية تحركهم بين أقطاب سياسية متناقضة.
إذا أردنا رصد العمل الثقافي خلال الحرب الباردة، فقد طبعت تلك الحقبة تشابك السياسة مع الإنتاج الثقافي، ما جعلها من أكثر العقود خصوبةً وحرجاً في التاريخ الثقافي والنّشري في المنطقة العربيّة. مع انتهاء الحرب العالميّة الثانيّة، ونيل بعض البلدان العربيّة استقلالها، صعدت أنظمة عربية جديدة إلى السلطة. حملت هذه التغيرات اصطفافات أيديولوجية بين مفاهيم شيوعية وماركسيّة، يمينية وليبرالية، قوميّة سوريّة أو قومية عربيّة، ناصرية وبعثية، ظهرت بصماتها واضحة على الثقافة والنّشر العربي. على صعيد عالمي اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في صراعهما سياسات مدروسة للهيمنة الثقافية والفكرية، ما أعطى الممارسة الثقافية والنّشرية بُعداً سياسياً وعالمياً جديداً. بدأ هذين القطبين بخلق مؤسسات وتمويل شبكة من المشاريع العالمية، جعلت من منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا جزءاً لا يتجزأ من الحرب الباردة الثقافية.
في ظل هذه التحوّلات، شهد الإنتاج الثّقافي العربي تغيرّات جذريّة من داخله، حيث ظهرت في هذه المرحلة أنماط وتيارات أدبيّة جديدة متأثرة باتجاهات فلسفية غربية كالواقعيّة التي تبنّت مفهوم الالتزام وفكرة الفن في خدمة المجتمع، وأخرى حداثية انشغلت بذاتيّة المثقف ومفهوم الأدب للأدب. كانت نواة تلك التيارات ناشرين وكُتّاب وشعراء ومترجمين، أسس بعضهم مجموعات وندوات، وأطلقوا مبادرات، ومنشورات ودُور ومؤسسات. تنقّلت هذه الشخصيات بين مؤسسات عالميّة ودُور نشر ذات سياسات متناقضة، وجمعت فيما بينها علاقات صداقة وحب، وأحياناً عمل وتعاون، وأحياناً أخرى خلافات حول الموقف السياسي ودور المثقف في المجتمع.
دفعتنا هذه الطروح للبحث في الأرشيف النّشري لمرحلة الخمسينات والستينات تحديداً، الكتب، والمجلاّت، والمذكرات، والرسائل شخصية، والمقالات الصحفية والصور. كان البحث امتداداً لمشروع سابق قمنا به في السنوات الأخيرة وهو توثيق مكتبة الروائي عبد الرحمن منيف. أفاض علينا محتوى مكتبة مثقّف عربي مثل منيف بمعلومات قيمة وجديدة عن تاريخ النشر وممارساته خلال حقبات مختلفة، واكتسبنا معرفة من خلال كمية كبيرة من كنوز الكتب التي جمعتها مكتبته الدمشقية. تبلور اتجاهنا البحثي أكثر فأكثر من خلال زيارة لمدينة بيروت قمنا بها مطلع العام 2018 والتي تلتها زيارة جديدة في تموز 2019 لاستكمال البحث.
إن عدم وجود أرشيف ممنهج للنّشر في منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة لاختفاء العديد من المنشورات، المجّلات ودُور النّشر، ورحيل شخصيات عاصرت تلك الحقبة، جعل من مهمة العثور على المعلومات عسيرة. تفادياً لخيبات الأمل، أثرنا طريقاً آخراً للبحث، اعتمدنا فيه على لقاء بائعي الكتب وجامعي الأرشيف بين بيروت ودمشق، لتبدأ لاحقاً حلقة من البحث الدقيق في أرشيف جامعات ومعاهد ومؤسسات ثقافية ومن خلال المقابلات الشفهية مع أشخاص اهتموا بالمرحلة أو عاصروها.
النشر السوفيتي بين الدعائية والمعرفة والترجمة
بين شوارع الحمرا المكتظة كانت نقطة البداية في دار الفرات للتوزيع والنشر، ذاك المكان المدهش لصاحبه الناشر وجامع الأرشيف عبودي أبو جودة. منذ لحظة التعارف الأولى، فتح لنا أرشيفه الغني مسارات جديدة وغير متوقعة للبحث. فما أن نذكر اسم منشورة أو ناشر أو كتاب مغمور حتى كان يغيب للحظات ليعود محملاً بالمواد الأرشيفية والابتسامة مرسومة على وجه. على عكس المعروف عن جامعي الأرشيف، فإن عبودي يقدم المكان والأرشيف للباحثين والمهتمين دون تحفظ. فقد كان نافذتنا للاطلاع على منشورات مغمورة مثل مجلة «الاتحاد السوفيتي»، تلك المجلة الشهرية، الاجتماعية والسياسية المصورة، التي تصب في خانة الإعلام الدعائي. أطلق المجلة مكسيم غوركي عام 1930 في موسكو ليتم إصدارها ب١٩ لغة منها العربية. وزعت المجلة في معظم الدول العربية وكان الترويج للاشتراك بها يتصدر صفحات المجلات اليسارية العربية مثل مجلة «الطريق» في بيروت ومجلة «الشرق» في القاهرة. ساعدنا الاطلاع على مجموعة مجلة «الاتحاد السوفيتي» وخطابها الثقافي على فهم السياسة الدعائية السوفيتية وتكييفها مع تغيرات الظروف للحرب الباردة.
إنّ المركزية النشرية التي اتبعها الاتحاد السوفيتي لترويج العقيدة الشيوعية والثقافة السوفيتية تجسدت من خلال دار التقدم. وهي مؤسسة ضخمة تأسست في موسكو عام 1963 من قبل وزارة الثقافة السوفيتية وانبثقت عن توحيد دار الطبع والنشر باللغات الأجنبية مع دار الأدب الأجنبي. تسلمت دار التقدم مهمة ترجمة ونشر المؤلفات السياسية والأدبية والعلمية بأكثر من خمسين لغة عالمية ومنها العربية. قد بلغت أعداد النسخ من مختلف المطبوعات مليوني نسخة. شكلت سوريا المستورد الرئيسي لإصدارات دار التقدم منذ الستينات، ونحن عرفنا كتبها المخصصة للأطفال كجيل ترعرع خلال ثمانينات القرن الماضي.
خلال تتبعنا لشبكة التوزيع المحلية لإصدارات دار التقدم، توقفنا عند مكتبة الزهراء الحديثة في دمشق، إحدى المكتبات الرئيسية المستوردة لتلك الكتب بصفتها الوكيل الرسمي لمؤسسة الكتاب العالمي السوفيتية. خلال جولة على المكتبات الدمشقية عام 2018 فوجئنا بإغلاق المكتبة وتصفية أرشيفها نهائياً لتنتهي بذلك حكاية مكتبة استمرت بتقديم الكتب السوفيتية لعقود حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
لكن المعرفة حول دار التقدم والنشر السوفيتي تبلورت بعد زيارتنا مكتبة المركز الثقافي الروسي في منطقة فردان في بيروت. دخلنا المركز مفعمين بالأمل للعثور على كُتب الدار، لكن جواب أمينة المكتبة بعدم وجود أي ترجمات عربية في مكتبتهم كان صادماً! بعد الحاحنا وشرح طبيعة الكتب بشكل محبب لها، وافقت على أن نطلع على محتويات المكتبة المتواضعة. كانت المفاجأة الحقيقة وجود قسم كبير من مطبوعات دار التقدم التي صدرت في مراحل مختلفة وحتى إغلاق الدار عام 1991. خلال ثوان قليلة تحولنا لعاملات نحل وانتشرنا بين رفوف المكتبة لنصور ونوثق أغلفة الكتب المعنية بالبحث واختيار عناوين أخرى حاولنا إقناع أمينة المكتبة بلطافة شديدة بضرورة المسح الضوئي لها.
في حلقة تتبّع التأثيرات السوفياتية على الحياة الفكرية والنّشرية العربية، استوقفنا الدور المالي الذي لعبته دار التقدم في دعم بعض دُور النّشر المحلية. فكانت الدُور تبيع الكتب المُصدرة لها من الاتحاد السوفيتي بأسعار بخسة وتستفيد من المبيعات في دعم منشوراتها الخاصة. أحد هذه الدُور هي الفارابي التي تأسست في بيروت عام 1954. نشرت الدار العديد من المؤلفات الماركسية والشيوعية والاشتراكية وكان لها تأثير واضح على اليسار العربي. في مقابلة مع غازي برو أحد المدراء السابقين لها، روى لنا عن استلام الدار كميات كبيرة من المطبوعات السوفيتية بأسعار زهيدة وأحياناً بالمجان ليتم بيعها فتشكل مورد مالي يساهم في دعم ونشر مؤلفات يسارية محلية أو ترجمة أخرى غربية.
من خلال البحث عن تلك الدُور التي ارتبطت بنشر الكتب السوفيتية، بدأ سؤال جديد حول موضوع الترجمة يتبلور شيئاً فشيئاَ، فمن هم مترجمي تلك الأعمال الأدبية والسياسية التي طبعت اليسار العربي؟ حفزنا هذا التساؤل للتركيز على مُعطى جديد في البحث خارج سياق المؤسسات ودُور النشر وهو التاريخ الشخصي لمترجمين إما شاركوا بفاعلية في تلك الحياة الثقافية أو عاشوا في الظل. تمكنا من تقسيم المترجمين إلى جيلين، الجيل الأول حتى خمسينيات القرن الماضي. وضم أشخاص قاموا بترجمة الكتب الشيوعية والأدب الروسي مدفوعين بقناعاتهم وقيمهم الشخصية، فهمّوا بترجمة الأعمال عن لغات وسيطة كالفرنسية والإنكليزية، أي لغات المستعمِر آنذاك، فالسوق العربية كانت تفيض بترجمات روسية لعناوين محددة لاقت شعبية واسعة في الغرب، أي أنّ ما كان ينشر بالعربية في ذاك الحين كان مرتبطاً بالذائقة الأوروبية للأدب الروسي. أما الجيل الثاني فهي مجموعة كوّنها مترجمين شيوعيين من العراق وسوريا، تعرضوا للملاحقة بسبب قناعاتهم السياسية. كالمترجم مواهب كيالي الذي ساهم في تأسيس رابطة الكتّاب السوريين عام 1951 والتي رفعت فكرة الأدب الملتزم الذي ينهض بالمجتمع واحتفت بالاتجاه الواقعي. سُجن مواهب عام 1958 عندما شنت سلطات الجمهورية العربية المتحدة حملة اعتقال للشيوعيين. بعد إطلاق سراحه غادر إلى موسكو حيث انضم لفريق مترجمي دار التقدم. لمع في هذا الجيل من المترجمين أيضاً اسم غائب طعمة فرمان. كان فرمان يكتب القصص القصيرة في المجلات الثقافية متأثراً بالحركة الشيوعية في عراق الخمسينات. اضطر لمغادرة بغداد عام 1960 هرباً من قمع الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم ليحط في موسكو ويعمل لصالح دار التقدم. قام غائب بتقديم جيل جديد من المؤلفات السوفيتية إلى القارئ العربي تُرجمت مباشرة من الروسية إلى العربية دون لغات وسيطة. مقارنة بالجيل الأول من المترجمين للكتب السوفيتية طغى على الجيل الثاني الصبغة المؤسساتية مقارنة بالفردية التي طبعت الجيل الأول.
الغرب والنشر بالتمويه
تبدوا للوهلة الأولى أن الاستراتيجيات الثقافية التي تبعتها الولايات المتحدة مشابهة الاتحاد السوفيتي، أي إصدار منشورات دعائية خلال الحرب الباردة، فظهرت مجلة «المجال» التي تشابه نظيرتها «الاتحاد السوفيتي» في الحجم والإخراج والمضمون. صدرت «المجال» عن قسم الصحافة والنشر في وكالة الإعلام الأمريكية بهدف تعزيز التفاهم والصداقة بين شعب الولايات المتحدة وشعوب الدول العربية. صوّرت صفحاتها ملامح الحياة المتطورة في أمريكا والإنجازات في مجالات العلوم والفضاء والفن.
إن الرفاهية والسعادة التي صورت فيها المجلة العالم الأمريكي، لم تكن كافية لإقناع الشعوب العربية بالرأسمالية، وخصوصاً خلال حقبة ملئها الكفاح المسلح والسياسي، التشرد والهزائم التي رافقت العرب. كان لابد للعقيلة الأميركية أن تخترع نموذجاً يستطيع الدخول إلى صلب النخبة الثقافية ومنها إلى العامة. مثّل هذا النموذج مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. خلال مشروع توثيق مكتبة الروائي عبد الرحمن منيف، توقفنا عند العديد من الكتب التي أصدرتها فرانكلين للطباعة والنشر والتي ضمتها مكتبته. فقد نجحت مطبوعات هذه المؤسسة أن تحتل ركناً أساسياً في مكتبات المثقفين العرب. تأسست فرانكلين في نيويورك عام 1952 وانتشرت عالمياً في ما يسمى اليوم بدول الجنوب العالمي من إندونيسيا مروراً بإيران وبعض الدول العربية وصولاِ إلى أمريكا اللاتينية. موّلت خلال الحرب الباردة نشر ترجمات أمريكية وبرامج تدريب على التحرير والإخراج والعمل المكتباتي. استقطبت فرانكلين أهم المترجمين والكُتّاب العرب لتصدير المؤلفات الأمريكية ودعمت دُور النشر العربية في مصر ولبنان والعراق عبر شراء حقوق المؤلفات الأصلية وأحياناً الاهتمام بدفع تكاليف التصميم والطباعة والتوزيع. بالمقارنة مع كتب دار التقدم السوفيتية، قامت المؤسسة بتهميش دورها المركزي لتنفيذ اجندتها وبغية في عدم ترك دليل على معركتها الثقافية، فدفعت بالناشر المحلي إلى الواجهة ولعبت دور الوسيط بينه وبين الناشر الأميركي. كذلك اعتمدت فرانكلين إستراتيجية التمويه من خلال إخفاء شعارها من على أغلفة الكتب التي نشرتها مكتفية بطريقة موحدة في إخراجها ليظهر اسم المؤسسة بشكل خاطف على الصفحات الأولى. تحوّلت بعض إصدارات فرانكلين إلى مراجع تاريخية وعلمية معتمدة في جامعات القاهرة وبيروت. ولا زالت تطلب كتبها في سوق الكتب المستعملة وتعاد طباعتها إلى اليوم. استمرت المؤسسة بالعمل حتى عام 1978.
حفزتنا استراتيجية فرانكلين للبحث بعمق عن عن تاريخ المؤسسة والأفراد الذين تسلموا العمل في مكاتب المنطقة. بداية افتتحت أول مكتب لها في القاهرة عام 1953 كجزء من اتفاقية تبادل ثقافي بين الدولة المصرية وأميركا وأشرف على ادارة عملياتها الكاتب حسن جلال العروسي المعروف بقربه من الوسط الثقافي المصري بمختلف أطيافه لا سيما الإسلامية. اتبعت فرانكلين سياسة معقدة في تعاملها مع الرقابة الحكومية أو الصحف، فقامت باستقطاب دُور النّشر الكبرى في مصر عبر استمالتهم مالياً، وتعاملت مع نخبة الكُتّاب والمترجمين لخلق صورة مطمئنة عنها ومع أهم أساتذة الجامعات ووزارات الثقافة والتعليم. اتهمتها بعض الجهات اليسارية بالامبريالية ومحاربة النظام الاشتراكي في مصر عبر تقديم «النموذج الأميركي» في العلم والفن والإدارة واستغلالها بعض الفجوات في المجتمع المصري. نشرت فرانكلين في مصر بالاشتراك مع دُور نشرية عديدة مثل دار النهضة العربية ومكتبة النهضة المصرية والمكتبة الانجلو مصرية.
انشغلت فرانكلين القاهرة بمشروع طويل الأمد وهو إصدار أكبر موسوعة عربية آنذاك. تعرفنا على هذا المشروع من خلال مواد أرشيفية جمعناها عن المترجم وأستاذ الفلسفة زكي نجيب محمود والذي تسلم مهمة تحرير تلك الموسوعة العربية. بعد نقد حاد تعرض له زكي من زملائه اليسارين اضطر إلى الاستقالة عن تحرير الموسوعة والتي صدرت في النهاية عام 1965 بدعم من مؤسسة فورد الأميركية.
أما في بيروت فقد افتتحت فرانكلين مكتبها عام 1957 وكان على رأس المكتب الثلاثي الفلسطيني، الأكاديمي والمترجم محمد يوسف نجم مديراً، إلى جانبه الروائية والمترجمة سميرة عزام والأستاذ المترجم إحسان عباس. تحوّل المكتب في الستينات إلى فضاء يجمع مثقفين ومترجمين وأساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت. ركز مكتب بيروت على ترجمة الأدب الأمريكي المعاصر وكتب النقد الأدبي بالدرجة الأولى وقام بنشر إصداراته بالاشتراك مع مجموعة من دُور نشر بيروتية كدار الثقافة ودار مكتبة الحياة والمؤسسة الأهلية للطباعة والنشر.
من خلال قراءتنا مذكرات شخصيات عاصرت تلك المرحلة، اتضح لنا أن موظفوا فرانكلين اتخذوا مهمة الوكيل الذي يجمع النص الجيد ودار النشر الكبير والمترجم الممتاز من أساتذة الجامعة الأمريكية، كامبريدج أو لندن على طاولة واحدة. فتلك الأسماء البراقة قد تُبعد الشبهات عن أغراض خبيثة ربما تُتهم بها مؤسسة أمريكية. لكن لابد من القول أن الأتعاب المادية المرتفعة التي كانت تقدمها فرانكلين للمترجمين، ساعدت هؤلاء بالعمل على مشاريعهم الثقافية الخاصة.
بشكل عام كان البحث عن عمل مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر صعباً بسبب عدم توفر معلومات إحصائية كبيرة عن أعمالها وسقوط اسمها كمؤسسة مانحة أو كناشر مشارك في العديد من كاتالوجات المكتبات والأرشيفات العربية. إنّ أرشيف المؤسسة بأكمله يعود اليوم لملكية جامعة برينستون ومتاح للباحثين بشكل شخصي.
البعد العولمي للهيمنة الثقافية في مواجهة الحياد
مع انطلاقة الحرب الباردة وُلدت المنظمة العالمية لحرية الثقافة وهي مؤسسة أمريكية نشطت عالمياً واتخذت من باريس عام 1950 مركزاً لها وذلك عقب انعقاد مؤتمر ضخم في غرب برلين ضم مفكرين ومثقفين الدول الغربية وأمريكا دفاعاً عن حرية الثقافة ضد الشيوعية. انتشرت المنظمة حول العالم من خلال مكاتبها، فخططت لمؤتمرات وقدمت المنح الدراسيّة وأصدرت مجلات ثقافية مثل «إنكاونتر Encounter» في إنكلترا، «بروف Preuves» في فرنسا، «دير مونات Der Monat» في ألمانيا، «تمبو بريزنته Tempo Presente» في إيطاليا، «موندو نوفو Mundo Novo» في أميركا اللاتينية، «بلاك أرفيوس Black Orpheus» في نيجيريا، «كويست Quest» في الهند، و«حوار» في المنطقة العربية متخذة من بيروت مكاناً لصدورها. لم تكشف المنظمة عن حقيقة تمويلها حتى صدور سلسلة مقالات في جريدة «ذا نيويورك تايمز» عام 1966 كشفت تموّيلها من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ما أوقع مثقفي الحقبة الذين تعاملوا معها في فضيحة وأزمة أمام الرأي العام.
افتتحت المنظمة العالمية لحرية الثقافة مكتبها الأول في بيروت عام 1954 ليلحقه تأسيس مكتب القاهرة عام 1959. أضحى المكتبان مركز عمليات رئيسي لعملها في المنطقة. كانت مجلة «حوار» الثقافية من أهم المشاريع التي انشغلت بها المنظمة في المنطقة العربية. وفي رسائل متبادلة قرأناها في ستينيات القرن الماضي بين الأمريكي جون هانت في باريس وسيمون جارجي المستشرق الفرنسي السوري الأصل ومدير عمليات المنظمة في آسيا وجميل جبر مدير مكتب بيروت، تمكنا من التعرف على مراحل تحضير هذه المجلة.
بالتزامن مع حركة النشر التي قام بها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، أخذتنا رحلتنا الأرشيفية إلى مشروع أخر على هامش هذا التقاتل الثقافي وهو اتحاد كتاب أفرو آسيا الذي انطلق عام 1958 من طشقند بدعم من الدول المشاركة في «مؤتمر باندونغ» عام 1955 مع انضمام مجموعة أخرى من الدول الأفريقية والآسيوية التي نالت استقلالها حديثاً. سعى اتحاد كتاب أفرو آسيا إلى تعزيز روح التضامن بين شعوب أفريقيا وآسيا بتأثير من حركات التحرر وعدم الانحياز. تأسس المكتب الدائم للاتحاد في كولومبو لينقل أعماله إلى القاهرة عام 1962 وذلك لقربها الجغرافي من دول جنوب أفريقيا. استمر المكتب في العمل حتى عام 1978 وانتقل بعدها إلى بيروت على إثر توقيع معاهدة كامب دايفيد.
العديد من المثقفون العرب الذي رافقتنا أسمائهم خلال البحث نشطوا في الاتحاد مثل سهيل إدريس مؤسس مجلة الآداب، الشعراء نازك الملائكة أدونيس وبدر شاكر السياب، الكاتب السياسي حسين مروة والناقد الأدبي غالي شكري وغيرهم.
دعا الاتحاد إلى تقوية النشر في البلاد الأفرو آسيوية وأصدر مجلة «لوتس» برئاسة تحرير يوسف السباعي في القاهرة عام 1968. كانت «لوتس» مجلة فصلية صدرت تحت عنوان «مجلة الأدب الأفريقي والآسيوي» حتى عددها السادس ليتغير اسمها إلى «لوتس» عام 1970، قامت المجلة بترجمة الأدب الأفريقي والآسيوي المعاصر وصدرت بنسختين عربية وأخرى إنكليزية وفرنسية. تكمن أهمية مجلة «لوتس» في خلق علاقات ثقافية بين كُتاب الجنوب والكتاب الآسيويين في مواجهة الاستعمار والاستعمار الجديد. على رغم الرغبة بعدم الاصطفاف السياسي إلى جانب إي من قطبي الحرب الباردة، استطاع الاتحاد السوفيتي خطف روح الاتحاد ودعم وتمويل مجلة «لوتس» بالإشتراك مع مصر وجمهورية ألمانيا الديمقراطية والهند. توقفت المجلة عن الصدور مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وعادت للصدور في سنوات لاحقة. تظهر أهمية البحث المجلة لنا فقد شكلت أولاً وسيط ثقافياً عالمياً جديداً بعيداً عن القطبية السياسية المُسيطرة، وكانت فضاءاً جديداً للتبادل الثقافي بين بلدان الجنوب العالمي أي أفريقيا وأميركا اللاتينية والبلدان النامية في آسيا، ما أسهم من خلال الترجمات التي ضمتها المجلة بانفتاح ثقافي جديد على أعمال أدبية لم تكن معروفة في العربية وخصوصاً ترجمات من الشعر والأدب الأفريقي المعاصر.
راقبت المنظمة العالمية لحرية الثقافة عن كثب نشاط اتحاد كتاب أفرو آسيا الذي ازدادت أهميته وتأثيره على المثقفون العرب والأفارقة. ومع القلق من ازدياد شعبية الاتحاد، قامت المنظمة بالتعاون مع معهد الشرق الإيطالي ومجلة «تمبو بريزنته Tempo Presente» بعقد مؤتمر الأدب العربي المعاصر في روما عام 1961. شارك في المؤتمر نخبة من كتاب ومفكري الدول العربية بصفتهم الشخصية إلى جانب كُتّاب غربيين بهدف مناقشة موضوع الأدب العربي وإشكاليات تأرجح الكاتب العربي بين الكلاسيكية والحداثة. أوصى المجتمعون بعقد مؤتمر عالمي للأدب العربي المعاصر وتشجيع إقامات الكتابة ودعمها من المنظمات الثقافية.
تم توثيق محاضرات المؤتمر في كتاب صدر عام 1962 وجدنا نسخة له في أرشيف مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت. تمكنا من خلال الكتاب من التعرف على المحادثات التي حصلت خلف الكواليس، فقد تُمّ مناقشة تسمية جمال أحمد الكاتب وسفير السودان في المملكة المتحدة ولبنان كمستشار ثقافي للمجلة، ما يثبت اهتمام المنظمة المتزايد بالسياق الأفريقي. بعد مجموعة من المحادثات تم اختيار توفيق صايغ كرئيس تحرير لمجلة «حوار».
في بيروت كتب لنا الحظ أن نتعرف على الكاتب والباحث محمود شريح، ذاك الرجل المُلم والخبير بتاريخ توفيق صايغ فهو يمتلك مذكراته التي أتاحتها له عائلة صايغ. توقفنا مع شريح عند مسودات توفيق صايغ عن الأشهر الأخيرة التي جالت تفاصيلها قبل إصدار العدد الأول من المجلة. ساعدتنا تلك المسودات على فهم تعقيدات المرحلة وتأثيراتها على المشهد الثقافي اللبناني، كاختيار فريق العمل ودعوة الأصدقاء والكتّاب للمشاركة واتفاقية الأجور التي كانت عالية مقارنة بأي مشاريع أخرى في المنطقة… إلخ.
سريعاً أصبحت مجلة «حوار» من أهم المنشورات الثقافية وفضاء هاماً لتطوير الأدب العربي والشعر الحديث ومكان لأصوات جديدة من المثقفين. تعرضت هذه المجلة إلى النقد اللاذع في الأوساط العربية. فقد كانت تعتبر مجلة يمينية في القاهرة، أما في أقطار عربية محافظة اعتُبرت يسارية. توقفت المجلة عن الصدور بتأثر فضيحة تمويلها من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي أعلنتها جريدة «ذا نيويورك تايمز» عام 1966. أصدر توفيق صايغ العدد المزدوج 26/27 في آذار 1967 معلناً توقفها النهائي. أثّرت في نفسه تبعات الفضيحة ودفعته للانتقال إلى أميركا والتدريس في جامعة كاليفورنيا حتى وافته المنية بعدها بأربع سنوات.
إن أرشيف المنظمة العالمية لحرية الثقافة محفوظ ضمن 500 صندوق مرقمة تسلسلياً في أقبية مكتبات جامعة شيكاغو. من خلال الموقع الإلكتروني للجامعة يمكن الحصول على معلومات عامة عن الملفات التي تحتويها الصناديق. يُسمح للباحثين بالاطلاع على جزء منها أما الجزء الأخر للمحتويات مغلق حتى عام 2045.
المنشورة وحركة الداخل
لا يسعنا استكمال البحث دون الوقف عند تأثير تيارات الداخل السياسية التي شهدتها خمسينات القرن الماضي والتي ساهمت في إنشاء وعي آخر أدى إلى ظهور قوالب أدبية جديدة مفعمة بقناعات أصحابها في التجديد الثقافي. فإن نهضة القومية العربية في الخمسينات وتبنيها من قبل العديد من المثقفين العرب من كُتٌاب وشعراء ونقاد بسبب إيمانهم أن ما يجمع العرب هو لغة واحدة وثقافة مشتركة، ساهم في صياغة لغة جديدة، تقف في مواجهة قسمة العرب. شغلت القضية الفلسطينية وحق العودة والاستعمار الفرنسي وحرب الجزائر الحصة الأكبر من أعمال تلك المجموعات الأدبية.
وجدت هذه الأفكار الصاعدة مكاناً لها في قلب مجلة «الآداب» التي أطلقها سهيل إدريس عام 1953 لتستمر بالصدور أكثر من ست عقود دون انقطاع. فصعود الناصرية والتأثر بأفكار جان بول ستر حول الأدب الملتزم، دفعت ادريس لإصدار المجلة التي تحولت إلى منبر يقدم الأدب العروبي المناهض للإمبريالية. ساهم موقف «الآداب» بتطوير قصيدة النثر العربية وتحرير الشعر من القافية. لتجمع نخبة من الكُتّاب العرب مثل نازك الملائكة من العراق وحسين مروة من لبنان والناقد الأدبي غالي شكري من مصر كما نشرت لغائب طعمة فرمان الذي أسلفنا ذكره سابقاً وغيرهم.
لا يسعنا غير القول بأن النشاط السياسي لمثقفي مجلة «الآداب» جعل من أعدادها مرآة تعكس التاريخ السياسي والثقافي للمنطقة. وليس من المستغرب مشاركة بعض كُتّابها في اتحاد كتاب أفرو آسيا كأعضاء، فقد كان فضاءاً مناسباً لتوسيع أفقهم وأفكارهم من خلال حضور مؤتمراته والعمل في مكاتبه الإقليمية. فقد شارك سهيل ادريس لسنوات عدة في هيئة تحرير مجلة «لوتس» الصادرة عن اتحاد كتاب أفرو آسيا. واجهتنا صعوبات جمة في الحصول على أعداد مجلة «الآداب» في الأسواق، فأهميتها جعلتها كنزاً تحتفي به المؤسسات مثل جامعات ومكتبات الخليج العربي وجامعي الأرشيف. في النهاية تمكنا من الوصول إلى مجموعة من الأعداد في المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت فضلاً عن اتاحة الموقع الالكتروني للمجلة لكامل ارشيفها.
في بيروت وعلى بعد أمتار، بدأت ملامح تيار حداثي جديد في الشعر بالظهور، كان على رأسه يوسف الخال، الشاعر والمترجم السوري مؤسس مجلة «شعر». تأسست المجلة عام 1957 وأصدرت 44 عدد. مثّلت «شعر» فكرة النقد الذاتي-الضدي، أي انشغال الأدب بذاته. وكانت فضاءاً للشعر العربي الحديث والمُترجم، للنقد والقصة القصيرة والتقارير الأدبية من الداخل والخارج.
تحولت مجلة «شعر» من مشروع فردي إلى عمل جماعي لتصبح ظاهرة حداثوية في الثقافة العربية، جمعت أدباء مثل الشاعر أدونيس، والمترجمة والناقدة خالدة سعيد، الشاعرة والناقدة سلمى الخضراء الجيوسي التي ترجمت أعمالاً هامة من الأدب الأمريكي المعاصر إلى العربية، رياض نجيب الريّس الصحفي وسكرتير مجلة «حوار» لاحقاً، الروائي الفلسطيني والمترجم جبرا ابراهيم جبرا.
إلى جانب مجلة «شعر»، ظهرت مشاريع أخرى ارتبطت بها، فتأسست دار شعر التي أصدرت عدد من الترجمات وكتب النقد الأدبي. وانبثق تجمع خميس شعر الذي جمع بشكل منتظم العديد من شعراء وأدباء الحداثة العربية في الستينيات. إن استمرار مجلة «شعر» ارتبط بالتمويل الذاتي وأجور اشتراكات القراء واضطرت المجلة للتوقف في آواخر الستينات على أثر شح الدعم المادي وبسبب الانتقاد اللاذع الذي وجّه لأعضائها تأثرهم بالثقافة والفن الأوربي والأمريكي وإدارة ظهرهم للتراث العربي. انتقل العديد من كُتٌاب «شعر» إلى مجلة «حوار» التي موٌلتها المنظمة العالمية لحرية الثقافة.
رغم كثافة العمل الجماعي ووقوف الأدباء خلف قناعاتهم السياسية وتياراتهم الأدبية، وتجمعهم حول إصدارات مثل «الآداب»، و«شعر» و«حوار». لاحظنا خلال بحثنا العديد من الأفراد الذين تحركوا بحرية و بمفردهم ضمن فضاءات متناقضة. فوقفنا عند الكاتبة الأنوثية ليلى بعلبكي التي شغلت أعمالها الصحف وكانت مصدر لنقاشات محتدمة. فقد تم مصادرة روايتها «سفينة حنان إلى القمر» من الأسواق عام 1964 لتكون أول روائية لبنانية تتعرض لمحاكمة على كتابتها. اتُهمت بعلبكي بانتهاك الاخلاق بسبب تضمين روايتها ألفاظ وجمل شهوانية. لكن كفاحها من أجل قيم مجتمع جديد جعل منها صديقة للعديد من المثقفين.
استوقفتنا أيضاً سيرة الشاعر بدر شاكر السيّاب ومواقفه الداعم للقومية العربية ما جعل منه اسماً يتكرر في مجلة «الآداب» لسنوات عديدة. أصدر السيّاب شعره الحديث أيضاً في مجلة «شعر» كما عمل أيضاً لصالح مجلة «حوار» ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر والمنظمة العالمية لحرية الثقافة التي دعمته مستغلة إلى حد ما حياته البائسة ومرضه العضال.
خاتمة
بعد الرحلة البحثية في بيروت ودمشق وبرلين، ومن خلال زيارة العديد من المؤسسات وإجراء المقابلات مع أشخاص من عالم النشر والتاريخ، أو أشخاص عاصروا المرحلة، تمكنا من بناء أجزاء لأرشيف ممنهج لأكثر من خمسين عنصراً من شخصيات، مؤسسات إقليمية ودولية، ومجموعات، ومنشورات ودُور نشر اخبرناكم قصتهم. هذا البحث مكنّنا من تتبع الروابط المختلفة التي جمعت كل تلك العناصر من علاقات تعاون، عمل، تمويل، صداقة، وحب.
لم يتوقف العمل عند جمع وقراءة للأرشيف، بل بطرح تساؤلات حول كتابة التاريخ العربي الحديث نفسه ومدى قدرة الأرشيف على إغنائنا بحقائق توسع وجهة نظرنا عن الماضي، وتبعدنا عن تقديسه والوقوع في فخ رومانسيته، ومن ناحية أخرى. اهتماما بالتساؤل عن القواسم المشتركة بين الماضي والحاضر وتسليط الضوء على التشابهات والفروق على مستوى المال، السياسة، الممارسة الثقافية والعمل الجماعي. لذا فإن مشروع «وجوه مستعارة» يدخل في ديناميكية التاريخ ويبحث عن الأوجه المختلفة التي تُلبسها السياسة، المؤسسة المانحة والمثقف وبالتالي نحن كفاعلين ثقافيين أنفسنا. كان من المهم لنا فهم مدى تعقيد العلاقة بين الأيديولوجية والمعتقد السياسي والقناعات، المال والمثقفين أنفسهم، وإلى أي حد تلتصق السياسة مع الممارسة الثقافية، لتكون الشاهد على ولادة مشاريع وموتها في آن. الحرب الباردة شكلت حقبة ثقافية جديدة في إطار شروط عولمة جديدة مازلنا نعيشها اليوم. هذه الفرضية دفعتنا للبحث في القواسم المشتركة بين الماضي وحاضرنا في مجال التمويل والسياسة والممارسة الثقافية والعمل الجماعي. إن حقبة الستينيات اختبرت تحول جديد في بنية الاستراتيجيات الثقافية. فبدل الترجمة والتبشير بالمعرفة الغربية في العالم العربي، بدأت مرحلة إدماج المثقفين العرب كشريك في شبكة العولمة الثقافية من خلال دعم المبادرات المحلية والسماح بأصواتهم لتصدح في المنصة العالمية. من هنا يهتم عملنا بالبحث بأشكال السياسات الثقافية التي قام باستخدامها القطبين الغربيين من خلال دعم المؤتمرات والمشاريع في محاولة خلق مساواة مع الشريك الغربي. يسعى المشروع أيضاً لفهم قدرة المثقفين العرب على خلق مساحات الإبداع والعمل الجماعى ومساحات المقاومة الخاصة بهم في خضم تعقيد السياسات الثقافية التي حملتها العولمة الجديدة.