منذ سنة 2011، ينصّب اهتمامي على دراسة مصطلح ”الاسلاموفوبيا“ و مختلف أشكال استخدامه في إطار أكاديمي بشكل رئيسي، و على قياس هذا الظاهرة وجوانبها الخاصة. و تابعت أيضاً أشكال التعبئة السياسية و القانونية ضد هذه الأنواع من التمييز، لاسيما التمييز ضد الأمهات المحجبات في فرنسا اللواتي مُنعن من مرافقة الأطفال والعناية بهم أثناء الرحلات المدرسية، و جرائم و خطابات الكراهية في مقاطعة كيبيك.1 و قد حصلت على تمويل لإجراء دراسات ميدانية، و نشرت عدداً من المقالات حول الموضوع و شاركت في بعض الندوات والمؤتمرات، و قدمت مداخلات في وسائل الإعلام.
و لا بد لي أن أشير إلى أن هذه المسألة لا تزال، بعد عشر سنوات، تحتل موقعاً فريداً في فرنسا. فهي تثير اهتماماً كبيراً و تبقى موضوعاً مركزياً في النقاشات العامة، لكنها تتحول أكثر فأكثر إلى قضية ساخنة ومثيرة للجدل و شديدة الحساسية. و كل من يحاول تناولها يصبح ”مشبوها“ علماً أن المواضيع الخاضعة للتحليل تُشير تحديداً لهذا الخلط الخاطئ بين المفاهيم، و التعميمات السريعة، و الإقاء الذي يعاني منه المسلمون و المسلمات. و قد حامت حولي هذه الشبهات طوال مسيرتي المهنية، سواء بشكل صريح أو ضمني، بالرغم مما كانت تتسم به تحليلاتي من دقة وصرامة علمية.
لقد اخترت في الدراسة المخصصة لموقع Qalqalah قلقلة أن اتجاوز تلك الأوامر بملازمة الحياد التي تُفرض بشكل خاص علينا كباحثين و باحثات منتمين إلى الأقليات العرقية و الذين يتناولون مواضيع متصلة بالتمييز العنصري. و مع الاستناد إلى بيانات وقائعية تُعتبر مراجع موثوقة، أود أن أطرح هنا تحليلاً يسلّط الضوء على خطورة الوضع الحالي. إن هناك حاجة ملحة لاستعادة السيطرة على صياغة النقاش برفض شكله المفروض الآن في فرنسا و استخدامه لمصطلحات جوفاء ونهج عنصري وابتزازات دائمة. و هذا ما يشكل صلب الموضوع الذي سأتناوله في هذا النص.
المقدمة
منذ عدة عقود، نشهد ظهور عدد كبير من الكلمات الجديدة في اللغة الفرنسية تشير، بقدر ما من الصراحة، إلى مجموعات يزداد تعريف أفرادها بطريقة ضبابية (ويصعب بالتالي ترجمتها بشكل دقيق [ملحوظة من المترجم]): الإسلاميون، المتطرفون، الأفراد الذين أصبحوا أكثر تشدداً أو تطرفاً، الطائفيون (الذين ينغلقون كل على طائفتهم أو عرقهم أو انتماءاتهم الأصلية)، اليساريون الإسلاميون2 ،الانفصاليون… و لا أحد يستطيع تعريف هذه الألفاظ المستحدثة لكن الجميع يفهم أن هؤلاء الأعداء القادمين من الداخل يختبئون بين ”مسلمي فرنسا“. و تشير هذه الكلمات، تبعاً للسياق الذي تُستخدم فيه ، إلى مجموعة واسعة من الأفراد: الأفراد الذين يمارسون شعائر الدين الإسلامي، و النساء اللواتي ترتدين الحجاب، و الأفراد الذين تبدو أسماؤهم عربية، أو الذين ينتمون بوضوح إلى عرق آخر، وا لذين يسكنون في أحياء شعبية، أو الذين يُنظر إليهم كأجانب… و في الوقت نفسه، و ”حرصاً على تجنب التعميمات“ (!، تشدد نفس الخطابات على التمييز بين المسلمين والمسلمات ”الصالحين“ الذين يحبون فرنسا و المسلمين و المسلمات ”السيئين“ الذين يرفضون الاندماج في المجتمع الفرنسي و تبني قيم الجمهورية. و هناك، في نهاية المطاف، خلط دائم ومقصود بين ”المسلم“ عموماً وكل هذه الكلمات الغير واضحة والتي تهدف إلى وصف الأشخاص الذين لديهم علاقة بشكل أو بآخر، بالدين الإسلامي (الإسلاميون، الأصوليون، الانفصاليون…).
و كل هذه الأشكال من الخلط والتعميم السريع هي التي تغذي الاسلاموفوبيا مع كل ما نسمعه من خطابات مستندة إلى أفكار مسبقة وإلى مشاعر العداء التي تتحوّل أحياناً إلى حقد و كراهية، وبشكل خاص ما نشهده من تمييز و أعمال عنف و قوانين خاصة تستهدف هذه المجموعة غير واضحة التعريف . و انطلاقاً من مثالين من نقاشات عامة حول كلمة الاسلاموفوبيا التي تصف ظاهرة اجتماعية، و كلمة الانفصالية التي تهدف إلى فرض هذا الخلط بين المفاهيم حتى في القانون، سنسعى إلى تسليط الضوء على موازين القوى التي تتحدد معالمها اليوم في فرنسا.
استخدام كلمة ”اسلاموفوبيا“
حرب بين فريقين
لننطلق من البداية: الاسلاموفوبيا أو كراهية الاسلام هي شكل من العنصرية. وعلى غرار عدد كبير من علماء الاجتماع، ينطلق تحليلي لظاهرة الاسلاموفوبيا من نظريات العنصرية التي تُعرّف كبناء اجتماعي يهدف إلى تمييز مختلف المجموعات من خلال أدلة على الانتماء مثل لون البشرة، أو الأصل القومي، أو الدين. العنصرية هي علاقة سلطة تنطوي على ما يلي:
- البناء الايديولوجي (العنصرية البيولوجية، نظرية ”الاستبدال الكبير“…)؛
- الأفكار المسبقة (التعميمات، التصورات النمطية الجامدة..)؛
- الممارسات التمييزية (عدم المساواة في المعاملة، الإقصاء الاجتماعي)؛
- العنف المؤسسي (الشرطة، العدالة، السجون…) والعنف الاجتماعي (الاهانات، أعمال التخريب، الاعتداءات).
تندرج الاسلاموفوبيا في فرنسا ضمن هذا التعامل العنصري وريث الاستشراق والاستعمار وتاريخ الهجرة والعنصرية ضد العرب وضد الأفارقة. غير أن هذا المصطلح يواجه اعتراضات عنيفة، رغم أنه اصبح شائعاً في الخطاب العادي. وعندما انتشر المصطلح في اللغة الفرنسية سنة 2003، اتهمه منتقدوه فوراً بأنه صادر عن الملالي الإيرانيين الذي اخترعوا هذا اللفظ لمنع أي انتقاد للاسلام. وبالرغم من أن هذا الأصل الخاطئ للكلمة باعتباره لفظاً يشير إلى نظام أجنبي كانت تصفه أصلاً وسائل الإعلام بالشرير، خضع مرات عدة للدحض والنفي، إلا أنه يعود أحياناً إلى الواجهة. في الحقيقة، يعود تاريخ هذه الكلمة المستحدثة إلى فترة الاستعمار الفرنسي. وقد استُخدم للمرة الأولى بالفرنسية في أوائل القرن العشرين من قبل المسؤولين الإداريين وعلماء الأعراق البشرية (الإثنولوجيا)، والعلماء عموماً، للإشارة إلى وضع المسلمين والمسلمات في أفريقيا. وكان المصطلح يستخدم في وصف ”اسلاموفوبيا الحكومة“ التي كانت تنطوي على معاملة تمييزية للمسلمين والمسلمات في الإدارة الاستعمارية، أي إلى تمتعهم بحقوق أدنى من الحقوق الممنوحة للفرنسيين والفرنسيات بسبب انتمائهم الديني. علاوة على ذلك، كان يشار إلى ”إسلاموفوبيا علمية“ تستند إلى أفكار مسبقة وإلى كتابات بعض المستشرقين الفرنسيين عن الإسلام والنبي3.
أما بعد السنوات 1910-1920، فيختفي تقريباً المصطلح باستثناء بعض الحالات النادرة. وتظهر مجدداً كلمة إسلاموفوبيا في اللغة الإنجليزية هذه المرة، سنة 1997، في أعقاب تقرير عن الموضوع نشره مركز بريطاني لتبادل الأفكار Runnymede Trust يهتم بموضوع الكفاح ضد العنصرية. وبما أن الدراسة بعنوان ”الاسلاموفوبيا تشكل تحدياً لنا جميعاً“ Islamophobia, A Challenge For us All لاقت رواجاً كبيراً، فتناولت الكتابات الإنجليزية هذا المصطلح الجديد في النقاش والنقد والتحليل.
و في فرنسا، لم تنتشر فعلاً الكلمة إلا بعد بضع سنوات خلال مناقشة القانون الذي كان يهدف إلى منع العلامات الدينية في المدارس الحكومية 2003-2004. واغتنمت مجموعات الناشطين الفرصة لاستخدام مصطلح الاسلاموفوبيا، كما استخدمه بعض الجامعيين والصحفيين والأشخاص المعنيين مباشرة بهذا الشكل من العنصرية، وأنشئ سنة 2003 ”التجمّع ضد الاسلاموفوبيا في فرنسا le Collectif contre l’islamophobie en France, CCIF“، الذي أصبح المنظمة الرئيسية لمكافحة التمييز ضدالمسلمين والمسلمات في فرنسا.
و لا يزال اليوم مصطلح الاسلاموفوبيا موضع معارضات شديدة، لكن الأمر لم يعد يتعلق، برأيي، بالنقاش حول معنى الكلمات، بل بحرب حقيقية ضد استخدام هذه الكلمة هدفها إنكار وجود الظاهرة نفسها و إسقاط أهلية الأشخاص الذين يُدينوها. وتصاعدت خلال السنوات الأخيرة حدة الاتهامات. ففي أعقاب هجمات سنة 2015، واغتيال استاذ المدرسة صامويل باتي سنة 2020، اتُهم الأشخاص الذين ينددون بوجود الاسلاموفوبيا بالتواطؤ مع الإرهابيين4. وصرح مؤخراً أحد المسؤولين الحكوميين أن ”المدرّس صامويل باتي لاقى هذا المصير المأساوي لأنه اتُهم بالاسلاموفوبيا (…). ولهذا ترفض الدولة بوعي كامل استخدام هذه العبارة «إسلاموفوبيا» لأنها ليست إلا سلاح الإسلاميين ضد الحريات وضد الجمهورية“5.
و هكذا أصبح إقصاء الكلمة شكلاً من الابتزاز يهدف إلى منع التنديد بالخطابات العنصرية و القوانين العنصرية و أشكال التمييز و أعمال العنف الموجهة ضد الأشخاص الذين يُنظر إليهم كمسلمين. وبهذا كل من يتكلم عن الاسلاموفوبيا (كراهية الاسلام) يجد نفسه متهماً بـ”التهاون“ حيال ”الإسلاميين“ ، بإنكار مخاطر الأصولية، وأنه في نهاية المطاف ”متواطئاً“ مع الإرهابيين. ولا شك أن حلّ ”التجمّع ضد الاسلاموفوبيا في فرنسا ”CCIF“ سنة 2020 يشكل إحدى القضايا الأكثر دلالة لهذا النهج. فهذه الجمعية المعترف بها أوروبياً ودولياً كانت تقدم منذ 15 سنة تقارير إحصائية جدية عن الأعمال الناجمة عن كراهية الإسلام في فرنسا، وتعرض الوساطة، وتخوض معارك قضائية. واتهمتها الحكومة الفرنسية بأنها ”وكالة تابعة للإسلاميين“ وأنها تحضّ على الكراهية. ولم تُحدّد التهمة كما لم تدعم بالأدلة ، إلا أنها شوهّت سمعة الجمعية وأدت إلى حلّها ، وصادق في النهاية مجلس الدولة على هذا الحل في 24 سبتمبر أيلول 20216. ولا ترسل هذه التهمة رسالة واضحة إلى الناشطين ضد الاسلاموفوبيا فحسب، بل توجه أيضاً أصابع الاتهام إلى كل من يتجرأ على الدفاع عن الجمعية7. و لا تزال تمتد القائمة بأسماء المنظمات و الأشخاص الموصومين بعار الانتماء إلى فريق الشر… و لم يعد هذا الابتزاز بضرورة اختيار جانب ضد جانب الآخر جزءاً من عملية تبادل الآراء بل هو يفرض رؤية ثنائية ايديولوجية يتواجه فيها من يدافع عن الجمهورية ومن ينتقدها والذي يصبح حينئذ من ”المعادين للجمهورية“.
لكن بالرغم من هذا الابتزاز وبالرغم من تكلفة الكفاح ضد الاسلاموفوبيا، انتشر استخدام هذا المصطلح مستنداً إلى شرعية ثلاثة مصادر هي الشهادات، والتحقيقات المستقلة، والبيانات الميدانية التي تؤكد وجود الظاهرة. كما استند إلى تقارير مؤسسات دولية متنوعة (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية، وأخيراً إلى جهود الناشطين والمسلمين والمسلمات الذين قرروا عدم الرضوخ للتهديدات والاستمرار في استخدام هذه الكلمة. ذلك أن في جميع النضالات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، لا بد من التسليم بالطريقة التي يختار بها الأشخاص المعنيون مباشرة بالموضوع تسمية أنفسهم وتسمية أشكال العنصرية التي يعانون منها، ولا بد من احترام هذه الخيارات8.
الانفصالية: من قوانين الدولة
إلى الممارسات التمييزية في الميدان
بالتوازي مع الاعتراض على كلمة اسلاموفوبيا، ظهرت كلمات جديدة مثل كلمة ”الانفصالية“ التي لا تنتشر سريعاً فحسب بل تتجسّد أيضاً في القوانين وهي إحدى الخصائص التي تتميز بها فرنسا.
في فرنسا، كان الحياد الديني الذي أقر في أعقاب قانون فصل الكنائس عن الدولة سنة 1905، يتعلق بالدولة وحدها وموظفيها: إذ يتوجب على هؤلاء الامتناع عن إشهار عقائدهم الدينية أثناء تأدية وظيفتهم ، وانبثق عن ذلك حظر ارتداء موظفي الدولة وموظفاتها ”علامات دينية“. واعتُمد سنة 2004 أول قانون يحظر ارتداء العلامات الدينية في المدارس الحكومية ، و استهدف هذه المرة الطالبات، موسّعاً بذلك نطاق هذا الحظر. وهذا القانون الذي كان موضع نقاشات حامية، فتح أبواباً لم تغلق منذ ذلك الحين. ويُلاحظ اليوم تكاثر الأحكام القضائية المتعلقة بالشأن الديني والتي تتزايد فيها القيود المفروضة مستهدفة تحديداً الاسلام والنساء المسلمات9، كما تتزايد في ظروف كثيرة قرارات الإقصاء بالرغم من عدم قانونيتها.
ففي مؤسسات التربية الوطنية على سبيل المثال، توسعت بعد عام 2004 قائمة العلامات المحظورة لتشمل أطواق الشعر و التنانير الطويلة عند الطالبات و الأمهات اللواتي يرافقن الرحلات المدرسية. إن المناقشات التي تبرز كثيراً في وسائل الإعلام حول كل إجراء من هذه الإجراءات تؤدي إلى أشكال تمييز في الميدان تتجاوز بكثير النصوص الأصلية. فلنذكر مثلاً أن قائد حافلة منع امرأة محجبة من الركوب في الحافلة في اليوم اللاحق من التصويت على قانون 2004. علاوة على ذلك، تبقى جميع تدابير الحظر غامضة بعض الشيء لاسيما في مجال العمل. فقد تحولت مثلاً قضية دار الحضانة ”بابي لو“ إلى مسلسل قضائي طويل بعد طرد موظفة كانت تعمل في دار حضانة خاصة و ارتدت الحجاب بعد عودتها من إحدى إجازاتها10. و يتضمن أيضاً قانون العمل لسنة 2016 أحكاماً تتعلق بالحياد، ما يسمح للمؤسسات تقييد ”أشكال إظهار الموظفين و الموظفات عقائدهم” ولكن بشكل مبهم إلى حد يجعل من الصعب تحديد مدى خطورة التمييز الناجم عنها، عند التوظيف و داخل المؤسسة.
ويشكل قانون الانفصالية آخر مواليد تضخم التشريعات الفرنسية. و كان المحتوى الأصلي للقانون الذي اعتمدته الجمعية الوطنية في شهر فبراير من سنة 2021 خليطاً من الإجراءات المبعثرة منها حظر تعدد الزوجات (المحظور منذ سنوات طويلة)، و حظر شهادات البكارة (وهي نادرة جداً في فرنسا)، و مراقبة أكثر صرامة للتعليم في المنزل، و كذلك الرقابة على الجمعيات. وأتاحت المناقشات التي جرت في مجلس الشيوخ في شهر أبريل فرصة لإضافة مطالبات يرددها اليمين المتطرف و هي حظر العلامات الدينية في مرافقة الرحلات المدرسية، و في المباريات الرياضية و للقاصرين في في الأماكن العامة ؛ و حظر ممارسة الشعائر الدينية داخل الجامعات؛ و حظر الأعلام الأجنبية في حفلات الأعراس في البلديات، و زيادة الرقابة على أماكن العبادة، و حلّ الجمعيات التي قد تنظم اجتماعات غير مختلطة (”تمنع حضور أي شخص عازم على المشاركة في اجتماع وذلك بسبب أصله أو انتمائه إلى مجموعة إثنية أو قومية أو عرقية، أو ديانة معينة“).
وفي القانون الهادف إلى ”تعزيز احترام مبادئ الجمهورية“ والذي أقّر نهائياً في تاريخ 23 يوليو 2021 (بأغلبية 49 صوتاً مقابل 19 صوتاً)، تم التخلي عن التعديلات الأكثر قمعاً للحريات مثل حظر ارتداء العلامات الدينية القاصرين في الأماكن العامة. إلا أن الضرر وقع بالفعل، فقد نوقشت هذه التعديلات، التي ألغيت بعد ذلك، في وسائل الإعلام و أجازت مرة أخرى الخطابات العنصرية. و كما حدث في الماضي، من المحتمل أن تعود هذه الاقتراحات إلى الواجهة في وقت لاحق، و تؤدي منذ الآن إلى ممارسات تمييزية فعلية في الميدان. و أخيراً ساهم هذا القانون في ترسيخ الخلط ما بين تهديدات التطرف الإسلامي و عدم احترام مبادئ الجمهورية من جهة، و الممارسات الدينية للمسلمين البارزة للعيان. ولا تتوجه الإجراءات الموصى بها لمكافحة “الانفصالية“ إلى الجماعات التي تقوم بالتحريض على أعمال العنف، بل تستهدف الممارسات الدينية و الثقافية و السياسية التي تُعتبر معادية لمبادئ الجمهورية. و هكذا نجح هذا القانون في فرض كلمة فضفاضة أخرى و إضفاء الشرعية على الشبهة الدائمة التي تخيّم على المسلمين والمسلمات11.
خلاصة القول:
يجب رفض الابتزاز
نلاحظ في جميع البلدان الغربية (و في بلدان أخرى كذلك) تصاعد كره الأجانب و كره الاسلام إلى جانب تنامي أفكار اليمين المتطرف وتوسّع حركاته وتحوّلها أحياناً إلى عنف شديد أدى أحياناً إلى هجمات مميتة12. و نلاحظ في ديمقراطيات مختلفة التشابه في الأشكال التي تتسم بها الأفكار الرجعية، و السياسات الإمبريالية، و عسكرة قوات الشرطة، و الرقابة المكثفة، و قمع المعارضات السياسية، و اتساع العنصرية بشكل عام و الاسلاموفوبيا بشكل خاص. و لكن من حسن الحظ أن هذه الأخطار الفعلية التي تهدد بشكل مطرد العدالة الاجتماعية و الحريات الأساسية، أدت أيضاً إلى تكثيف النضالات و المقاومات عبر الوطنية ضد العنصرية، و ضد التمييز على أساس الجنس، و ضد العنف الذي ترتكبه قوات الشرطة، مع بروز تحركات اتخذت أشكالاً مختلفة مثل Black Lives Matter أو #MeToo، و فضح سياسة الأبارتهايد الإسرائيلي و الحروب ذات الطابع الإمبريالي.
أما في فرنسا، وكما ظهر في الخطاب المستمد من لغة الحرب والذي استخدم أثناء جائحة الكوفيد-19، يستعيد الكلام عن الاسلاموفوبيا والانفصالية هذه النبرة التخويفية مشيراً إلى أعداء داخليين يجب مكافحتهم. و تبدو أشكال الخلط و التعميم العنصرية التي ترافق هذه اللغة مقلقة للغاية لأنها تفرض رؤية ثنائية للمواقف السياسية مع ابتزاز دائم و تهمة بعدم الولاء للجمهورية. فإذا كنت تعتقد أن المسلمين والمسلمات هم ضحايا أشكال مختلفة من التمييز أو تشير إلى خطاب بنعته بالاسلاموفوبيا، و إذا تكلمت عن عنصرية الدولة، أو أشرت إلى الإرث الاستعماري أو إلى عنف الشرطة، فهذا يعني أنك متعاطف مع ”العدو“، و أنك ضد العلمانية، و ضد الجمهورية، وضد ما يشكل هوية فرنسا، و تصبح لذلك مشبوهاً و من المحتمل أن تكون انفصالياً.